شعر النقائض
هو نوع من الشعر يتبارى فيه شعراء القبيلة كل حسب انتمائه والآخر يرد عليه بنفس القافيه ويهجوه او يمدحه على حسب ما يدور بينهم .
و هناك أسباب كثيرة لنمو شعراء النقائض منها الاجتماعية وعقلية ومن العوامل الاجتماعية ترجع الى حاجة المجتمع العربي خاصة في البصرة وقد نهضت دراسات دينية وعقلية مختلفة ونشأ بجانبها نوع من الملاهي يجد فيه الفارغون من العمل تسليتهم ، وكذلك العوامل العقلية كان لها دور في صنع النقائض حيث انها تعد الى نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة وكان من اهم شعراء النقائض جرير والفرزدق .
وواضح ان جرير والفرزدق درسا تاريخ القبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكن الشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائل التي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعان ما وصلت النقائض الى العصر الاموي وليس في المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الى النسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
نماذج من اشعار النقاضومن قول الفرزدق في جرير :
يا صاحبي دنا الرواح فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
وهذا من قول جرير يقول :
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابـــــــــا
فهذا الفرزدق يقول :
تحن بزوراء المدينة ناقتي
حنين عجول تبتغي البو رائم
وهذا اعتذار للفرزدق عما قاله :
ولست بمأخوذ بلغو تقوله
اذا لم تعمد عاقدات العزائم
وهذا ما قاله جرير في فسق الفرزدق الذي اشتهر به :
لقد ولت ام الفرزدق فاجرا
وجـــــاءت بوزواز قصير القوائم
وما كان جار للفرزدق مسلم
ليامـــــــن قردا ليله غير نائـــــم
اتيت حدود الله مذ انت يافع
وشبت فما ينهاك شيب الهـــــازم
تتبع في المأخور كل مريبة
ولست باهل المحصنات الكرائم
ولعل فيما ذكر اكبر الدلالة على ان النقائض عن الشاعر كانت بقصد تسلية الجماعة العاطلة كما ذكرنا وقد بدأت بأسباب قبلية وتطورت بعد ذلك الى مناظرة يراد بها ملء اوقات العاطلين وكانت تقاطع تلك المناظرات بالتهليل والتصفيق ومن ثم لم تأخذ شكلا جادا من اشكال الهجاء المعروفة عند العرب .
ولذلك كان الخلفاء والولاة يستقدمون الشعار ليتناشدوا امامهم ابتغاء اللهو والتسلية .
شعراء السياسة
بن قيس الرقيات :
هو عبدالله او عبيد الله وعبيد الله هو الأرجح لان في اخباره انه كان له اخ يسمى عبدالله واما تسميته بالرقيات فهذا يرجع الى تشببه بفتاه تسمى رقية فسمي بالرقيات ، ولد بمكة في العقد الثالث للهجرة وقد انتقل من مكة الى المدينة واقام بها ودفعه الى ذلك تعلقه بالمغنيين والمغنيات
نماذج من اشعارههذا ما قاله في مقتل اهل بيته في موقعة الحرة :
ان الحوادث بالمدينة قد
اوجعتني وقرعن مروتيه
ينعى بنو عبد واخوتهم
حل الهلاك على اقاربيـــــــــه
ونعى اسامةلي واخوته
فظللت مستكا مسامعيــــــــه
تبكي لهم اسماء معلولة
وتقول ليلى : وارزيتيــــــه
وتوفى في تلك الاثناء يزيد وتحولت الجزيرة الى حروب فلابد ان تكون الخلافة في قريش ، وهذا قوله في ذلك :
اقفرت بعد عبد شمس كداء
فكدى فالركن فالبطحاء
فقد طمع الجميع في قريش وصرح بذلك قائلا :
حبذا العيش حين قوى جميع
لم تفرق امورها الاهواء .
قبل ان تطمع القبائل في ملك
قريش وتشمت الاعداء .
ثم يأخذ بالفخر في قريش وفضلها على الاسلام والخلافة ويمضي في وصف لصحابة ومديحهم :
إنما مصعب شهاب من الله
تجلت عن وجهه الظلماء
ملكة ملك قوة ليس فيه
جبروت ولا به كبرياء .
وهنا جن جنونه واعلن الحرب على عبدالملك وبني اميه والذين استباحوا المدينة والبيت الحرام ، وقتلوا الحسين في كربلاء وهذا قوله في ذلك
كيف نومي على الفراش ولما
تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي
عن برها العقيلة العذراء
انا عنكم بني امية مزور
وانتم في نفسي الاعداء
وهذا قوله في عائشة بنت طلحة ليرتضيها
جنية برزت لتقتلني
مطلية الاصداغ بالمسك
عجبا لمثلك لا يكون له
خرج العراق ومنبر الملك
واخذ على هذا النحو يصول ويجول بشعره ضد بني اميه ونسائهم في دعوة ان الاصلاح لا يتم الا باجتماع الامة وتوحدهم تحت رايه واحدة وبعد مقتل مصعب ذهب الى الكوفة ويطلبه عبدالملك ويختبئ عند امرأة انصارية تسمى كثيرة ويقال انه راسل عبدالعزيز بن مروان كي يشفع له عند اخيه وقيل ان جعفر هو الذي شفع له عند عبدالملك وهذا قوله :
ما نقموا من بني اميه الا
انهم يحملون ان غضبوا
وانهم معدن الملوك فلا
تصلح إلا عليهم العرب
يعتدل التاج فوق
مفرقه على جبين كأنه الذهب
ولم يرضى عبد الملك بهذا وياخذ ابن قيس في قول المزيد حتى يرضيه ليعفو عنه ويجذبه جود عبد العزيز فيرحل إليه ويمكث عنده .
شعراء الخوارج
الطرماح :
الطرماح شاعر طائي نشأ في الشام ، انتقل الى الكوفة ونزل في نبي أميه يقال انه دخل في فرق متعددة منها الازارقة ، والصفرية والقعدة والأغلب انه كان من القعدة .
وكان الطرماح يتعصب لاهل الشام ويقال ان الطرماح ترك الكوفة حينا وذهب الى الري بفارس حيث عني بتأديب الناشئة ونراه يحمل مديحه الى ابواب الامراء والولاة ففي اخباره انه قدم مع الكميت على مخلد بن يزيد ابن المهلب وفي اخباره ايضا انه مدح خالد بن عبدالله القسري الي وصل الى العراق وقد هجا الفرزدق قائللا :
لو حان ورد تميم ثم قيل لها
حوض الرسول عليه الازد لم ترد
او انزل الله وحيا ان يعذبها
ان لم تعد لقتال الازد لم تعـــــــد
لا تامنن تميميا على جسد
قد مات ما لم تزايل اعظم الجسد
وكان الطرماح يستشعر عقيدته احيانا حتى ليتمنى الخروج ويقول
واني لمقتاد جوادي وقاذف
به وبنفسي العام احدى المقــــــــــاذف
لاكسب مالا او اوول الى غنى
من الله يكفيني عدات الخلائـــــــــف
فيارب ان جانت وفاتي فلا تكن
على شرجع يعلى بخضر المطارف
وهنا يسأل ربه في الاستشهاد وهو يحارب اما ليقتل شهيدا او ليصبح غنيا مثريا
لله در الشراة انهم
اذا الكرى مال بالطلا أرقوا
يرجعون الحنين أونة
وان علا ساعة بهم شهقوا
خوفا تبينت القلوب واجفة
تكاد عنها الصدور تنفلق
والخلاصة أن من كان يقرأ شعر الطرماح يلاحظ انه يجري على وتيرة لغوية واحدة فهو يصدر من عقيدته وكانما شعره ينقسم الى قسمين قسما اراد به ان يدور على أفواه الناس ، وقسم تعليمي محض .
شعراء الشيعة
الكميت :
من شعرا ء الشيعة وهو شاعر الزيدية ولعل من الطريف اننا نجد عند اولهما عقيدة الكيسانية .
وربما كان هذا الطباع اهم ما يميز الشعر الشيعي في هذا العصر .
مررت على ابيات آل محمد
فلم ارها كعهدها يوم حلت
وكانوا رجاء ثم صاروا رزية
وقد عظمت تلك الرزايا وجلت
ألم تر أن الشمس اضحت مريضة
لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وله في الحسين قصيدة رثاه وحض الشيعة على الطلب بدمه وفيها يقول
ليبك حسينا لكما ذر شارق
وعند غسوق الليل من كان باكيا
وياليتني اذا كان كنت شهدته
فضاربت عنه الشانئين الاعاديا
ودافعت عنه ما استطعت مجاهدا
واعلمت سيفي فيهم وسنانــــــا
ويروي انه خرج في جماعة من اصحابه حتى اتي كربلاء فنظر الى مصرع الحسين ورفاقه فأستغفر لهم ونشد يقول
ويا ندمي ان لا اكون نصرته
الا كل نفس لا تسدد نادمـــــــه
واني لاني لم اكن من حماته
لذو حسرة ما ان تفارق لازمه
وكان على هذا النحو كل شاعر شيعي يطوي على نفسه حزنا عميقا على ائمته المستشهدين ورغبة عنيفة في سفك دماء من قتلوهم .
الا بلغ جماعة اهل مرو
على ما كان من ناي وبعد
رسالة ناصح يهدي سلاما
ويامر في الذي ركبوا بجد
فلا تهنوا ولا ترضوا بخسف
ولا يغرركم اسدا لجهاد
فهو يحب ىل البيت لجدهم صلوات الله عليه وسلم وهو حب دفعهم دفعا الى استشعار التقوى وعبادة الله حق عبادته
فحسب من الدنيا كفاف يقيمني
واثواب كتان ازور بها قبري
وحبي ذوي قربي النبي محمد
فما سالنا الا المودة من اجر .
والواضح انه كان يستغرق في عصر بني اميه منازع قوية من حب آل البيت ..
جميل بن معمر
نشأ في في منازل عذرة بوادي القرى واخذ يختلف الى المدينة وربما الى مكة فقد كان يلقى ابي ربيعه كثيرا ويتناشد الشعر وكان يتصل ببني اميه وفي اخباره انه تلقن الشعر عن هدبه بن الخشرم تلميذ الحطيئة وقد عنى الرواة والناس بأشعاره كما عني بها مغنوا المدينة وهي اشعار يمضي في التغني ببثينه معشوقته وقال حين هجرته :
واني لارضى من بثينة الذي
لو ابصره الواشي لقرت بلابه
بلا وبان لا استطيع وبالمنى
وبالامل المرجو قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
اواخره لا نلتقي واوائله
وحين تلتمس بثينه فرصة للقائه تشرق الدنيا بوجهه ويسعد سعادة غامرة لا حود لها وينشد في ذلك قائلا :
ولو تركت عقلي معي ما طلبتها
ولكن طلابيها لما فات من عقلي
خليلي فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
فلا تقتلني بيا بثين فلم اصب
من الامر ما فيه يحل لكم قتلي
ويمضي في ذلك يشكو حبه المدينة وغيرها وتمضي السنون وحبه يزداد اليها فينشد قائلا :
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة
بوادي القرى اني اذن سعيد
وهل القين فردا بثينة مرة
تجود لنا من ودها ونجود
والواضح ان شعره مليئ بالصدق وحرارة العاطفة وظلت بثينه تحفظ له هذا الحب الى ان وافاة القدر بمصر في ولاية عبدالعزيز ابن مروان وظلت بثينه تبكي عليه الى ان فارقت الحياة